من خلال الإرتباط يمكنك قراءة هذا المقال بالاسبانية بصيغة PDF
من خلال الإرتباط يمكنك قراءة هذا المقال بالفرنسية بصيغة PDF
الحمد لله الذي هدانا للإسلام ومن علينا بالإيمان وشرفنا بالعبودية، الفضل والمنزلة التي لن يدركها الإنسان إلا إذا أدرك معنى الإيمان. قال تعالى: " الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون" الأنعام (82).
اقتران الإيمان باليقين يتبعه إقرار جازم علما وفكرا أن الله هو الخالق رب كل شيء ومليكه، تفرد في الصفات والأسماء والأفعال.
والعلم نوعان إما أن يكون موحى ( الذي أوحاه الله لأحد من عباده المصطفين ) وهذه العلوم انقطعت لتختزل في كتاب الله المحفوظ لتعطي مثلا على علوم الخلق وصفات وأسماء وأفعال الخالق ولتكون سبيل العقل للتعرف على الحق والهداية إليه أما النوع الثاني من العلوم فإنها المتحققة من التجربة والاستنتاج والملاحظة.
والعلم الموحى يكون قطعيا وأكثر دراية في الدلالة على علوم الخلق وكل أمر يتعلق بالخالق عرف للخلق، أما العلوم المتحققة فإنها مدركة ناتجة عن التجارب والبراهين دليل استيعاب واستغلال الإنسان، ولكل علم موحى دليل تأكيد في العلوم المتحققة فلا تعارض بين مصادر العلوم و إلا كان أحدهم غير صحيح، وفي التزام مصادر العلوم إقرار على علم الخالق جل جلاله عالم السر في السماوات والأرض.
أما الفكر فإنه قدرة الإنسان على تلقي العلوم وتحليلها وتسخيرها والاستفادة منها للوصول إلى أهدافه المتوخاة. وتنعكس آثار العلم والفكر على نفسية الإنسان وسلوكه فيكون اليقين في الإيمان، ليتجرد الإنسان من كل إملاءات الدنيا ليسمو إلى هدف أعلى ألا وهو رجاء الله تعالى، وفي ذلك إيمان بغير ظلم. ذلك هو الأمن الحق.
وركون الضمير للاطمئنان بالإضافة إلى الشعور بأن الأمور ستؤول إلى وضع السلام والرخاء يمنح الإنسان شعوره بالأمن. أما من الناحية المقابلة فإن من أضاع الإيمان هو من ألبس علمه وفكره بظلم وحق عليه نعت جاهل لأنه رضي لنفسه أن يكون عبدا لأي شيء إلا الله تعالى، فأخلد لإله الهوى وتعصب وأصر على الباطل رغم أن التعارض بين العلم المحرف والعلم المتحقق واضح والتعارض بين ذلك العلم والفكر واضح أيضا، ولكن تمسكه به أسفر عن إلحاد باطن أو ظاهر كل ذلك يلقي انعكاسا خطيرا على فكر وسلوك كل من جعل ذلك منهجه، فيكون التطرف أو التعصب سلوكه ضد أي فكر وخلق يؤثر على منافعه، والقصد هنا أن تعصبه لا يكون دفاعا عن الفكر( فهو يكذبه يقينا) وإنما دفاع أعمى عن المصالح التي أضحت متعلقة بذلك الفكر. ونتيجة لهذا التعصب فإن هذا الشخص يكون قد ألغى فكره وسلوكه مع الأخرين أن يكونوا معه سواء في هذا الجهل، و إلا فإنه لن يغير فكره وإن أتيته بالحق والكتاب المبين.
والدراسة الفكرية أو الثقافية عبارة عن بحث شامل في كل عامل يؤثر أو يتأثر بالفكر، ذلك أن الفكر شبكة متصلة ومتداخلة لذلك فالباحث الفكري هو باحث نفسي كذلك، لأن الفكر هو نتاج تلاقي عدة مؤثرات بيئية ونفسية تحدد نوعية الفكر.
وهدف هذا الموقع أنه مجادلة على بينة للحق بالمنهج العلمي والفكري.
ولقد سبق لنا محاولة للإعلان عن كتاب " هذا خلق الله " في أحد المواقع الالكترونية، ولكن التطرف والتعصب دفع القائمين على ذلك الموقع للتهرب، ذلك أن الدعوة للحق لم ترق لمن اتبع هواه فتردى، مع العلم أن ذلك الموقع يتبنى كل فكر زائغ عن الحق ظاهر الفساد والعلة.
إن مثل من يدير ويقف وراء ذلك الفكر المتطرف ويرفض كل فكر مخالف وإن كان على حق هو مثل المسعور الذي ينسلخ من كل خلق قويم لأنه عرف العدل وأنكره، فجهل وظلم نفسه والآخرين.
قال تعالى: " وإذا أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا لغافلين. أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون. وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون. واتلوا عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين. ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله فاقصص القصص لعلهم يتفكرون. ساء مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون". الأعراف (172-177).
إن حكم الإنسان غالبا ما يكون سطحيا، وهي الوسيلة التي تيسر لضعاف النفوس الظهور بما يخالف الواقع. ولكن هناك أمور مهمة تتطلب من كل إنسان فكرا ودراسة متأنية وبالذات الأمور المتعلقة بالعقيدة. ولقصد نشر البحث العلمي والفكري( والله من وراء القصد) فإننا نسعى إلى إنشاء هذا الموقع وندعو كل مفكر وكاتب لطرح أي مساهمة فكرية أو علمية تساعد على نشر البعد العلمي والمعرفي دون أي مساس شخصي أو عقيدي.
قال تعالى: " ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزّع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلى الكبير. قل من يرزقكم من السماء والأرض قل الله وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين. قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون. قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم". سبأ(23-26).
أزمة الفكر البشري
يتأثر الفكر البشري بالعلم والثقافة، ويتغذى من رافدين فإما موروث أو مستحدث، المستحدث هو ما أنجز أو برز نتيجة للتطورات البيئية سواء كانت معرفية تخص العلوم وما يتعلق بها، فالاختراعات والاكتشافات تنشئ معارف جديدة، وكلما زادت هذه الاختراعات والاكتشافات تولدت معارف لم تكن معروفة وتغيرت وتطورت معارف أخرى.
إن التطور التقني وانتشار وسائل الاتصال في العصر الحاضر غيرت وأحلت نسقا اجتماعية واقتصادية وسياسية جديدة على بعض الثقافات، وطورت البعض الأخر.
كذلك قد تتأثر الثقافات المستحدثة من تطورات ظرفية وشخصية تخص المفكرين أنفسهم، فكثيرا ما تؤثر تجربة مفكر ما في أسلوب تفكيره فتفرض عليه أفكارا جديدة تناقض أو تدعم المفهوم الفكري السائد.
أما المفهوم الفكري الموروث فهو ما يكتسبه الإنسان من الثقافات السابقة أو هو التراكم العلمي والثقافي لأمة ما خلال العصور الماضية، وإرث الآباء والأجداد، ويمتاز بطابع الإقتداء وحب التمسك بالعادات والتقاليد. وغالبا ما يكون التنافر والاختلاف هو المسيطر على حالة الثقافات والفكر البشري بين ما هو موروث وما هو مستحدث. والمستثنى من ذلك يكون التغير فيه عميق.
طبعا هناك أمور ثقافية وعلمية معروفة ولكن درجة استيعاب الإنسان قد تختلف نتيجة توفر وسائل ومعدات جديدة، ومن أمثلة ذلك العلوم الطبيعية والكونية. والجدير بالذكر إن أعظم التعارض والاختلافات الفكرية تحدث بين العلوم والمعارف وبين العقائد الوضعية المتغيرة بطبيعتها والمحرفة لتخدم أغراض واضعيها، ويخلق ذلك أزمة فكرية، فهي محرفة لأنها تجهل الخلق والخالق وتكذب على الخالق وهي وضعية تعارض كل علم وفكر.
ويتفاقم الأمر سوءا لتلك الأزمات الفكرية مع تداخل تأثيرات أخرى مركبة من الميول والرغبات والظروف الخاصة، تصور الباطل حقا وتصدقه. والظروف الخاصة تعني التزامات فردية وجماعية تختلف حسب الفرد والجماعات فيها منافع معنوية ومادية شتى، وحتى نكون على بينة من التقديم السابق نورد المثال التالي(وهذا مثال وليس حصرا):-
تقول مقدمة العهد القديم: " إن مركز الكتاب المقدس بأسره هو الله السرمدي الكائن قبل أن ينشأ عالم أو تخلق الأفلاك أو تشكل الأكوان، يستهل العهد القديم أولى آياته بهذا النص :" في البدء خلق الله السماوات والأرض .." وهذا يعني أن الله موجود بديهيا ولا يحتاج وجوده إلى برهنة . وبناء عليه فإن الخليقة بكاملها تقع تحت سيادة هذا الخالق الأزلي الذي توج عمل يديه عندما خلق الإنسان على صورته ومثاله،وأقامه في جنة عدن، وسلطه على سائر الكائنات فكان الإنسان يتمتع بالحرية والطمأنينة والسلطة والرفاهية، فضلا عن علاقات حميمة مع الله."
ويفصل الكتاب المقدس كيفية بدء الخلق على النحو التالي:-
بدء الخلق:
1- في البدء خلق الله السماوات مشوشة ومقفرة وتكتنف الظلمة وجه المياه، وإذ كان روح الله يرفرف على سطح المياه.
اليوم الأول: النور
أمر الله: " ليكن نور" فصار نور، ورأى الله النور فاستحسنه وفصل بينه وبين الظلام. وسمّى الله النور نهارا، أما الظلام فسماه ليلا. وهكذا جاء مساء أعقبه صباح، فكان اليوم الأول.
اليوم الثاني: الجلد
ثم أمر الله:" ليكن جلد يحجز بين مياه ومياه" فخلق الله الجلد، وفرق بين المياه التي تحملها السحب والمياه التي تغمر الأرض. وهكذا كان. وسمّى الله الجلد سماء، ثم جاء مساء أعقبه صباح فكان اليوم الثاني.
اليوم الثالث: الأرض الجافة والخضروات
ثم أمر الله:" لتتجمع المياه التي تحت السماء إلى موضع واحد، ولتظهر اليابسة". وهكذا كان. وسمّى الله اليابسة أرضا والمياه المجتمعة بحارا. ورأى الله ذلك فاستحسنه. وأمر الله:" لتنبت الأرض عشبا وبقلا مبزرا وشجرا مثمرا فيه بزوره الذي ينتج ثمرا كجنسه في الأرض". وهكذا كان. فأنبتت الأرض كل الأرض كل نوع الأعشاب والبقول التي تحمل بزورا من جنسها، والأشجار التي تحمل أثمارا ذات بذور من جنسها. ورأى الله ذلك فاستحسنه. وجاء مساء أعقبه صباح فكان اليوم الثالث.
اليوم الرابع: القمر والنجوم
ثم أمر الله:" لتكن أنور في جلد السماء لتفرق بين النهار والليل فتكون علامات لتحديد أزمنة وأيام وسنين. وتكون أيضا أنوار في جلد السماء لتضيء الأرض". وهكذا كان. وخلق الله نورين عظيمين، النور الأكبر ليشرق في النهار والنور الأصغر ليضيء في الليل، كما خلق النجوم أيضا. وجعلها الله في جلد السماء لتضيء الأرض، لتتحكم بالنهار والليل ولتفرق بين النور والظلام. ورأى الله ذلك فاستحسنه. وجاء مساء أعقبه صباح فكان اليوم الرابع.
اليوم الخامس: الطيور والأسماك
ثم أمر الله:" لتزخر المياه بشتى الحيوانات الحية ولتحلق الطيور فوق الأرض عبر فضاء السماء" وهكذا خلق الله الحيوانات المائية الضخمة والكائنات الحية التي اكتظت بها المياه كلاّ حسب أجناسها، وأيضا الطيور وفقا أنواعها. ورأى الله ذلك فاستحسنه. وباركها الله قائلا: " أنتجي، وتكاثري واملإي مياه البحار. ولتتكاثر الطيور فوق الأرض". ثم جاء مساء أعقبه صباح فكان اليوم الخامس.
اليوم السادس:الحيوانات والإنسان
ثم أمر الله: " لتخرج الأرض كائنات حية، كلا حسب جنسه، من بهائم وزواحف ووحش وفقا لأنواعها" وهكذا كان. فخلق الله وحش الأرض، والبهائم والزواحف، كلا حسب نوعها ورأى الله ذلك فاستحسنه. ثم قال الله:" لنصنع الإنسان على صورتنا، كمثالنا، فيتسلط على سمك البحر، وعلى طير السماء، وعلى الأرض، وعلى كل زاحف يزحف عليها". فخلق الله الإنسان على صورته. على صورة الله خلقه. ذكرا وأنثى خلقهم. وباركهم الله قائلا لهم:" أثمروا وتكاثروا واملأوا الأرض وأخضعوها. وتسلطوا على سمك البحر، وعلى طير السماء، وعلى كل حيوان يتحرك على الأرض". ثم قال لهم: " إني قد أعطيتكم كل أصناف البقول المبزرة المنتشرة على كل سطح الأرض، وكل شجر مثمر مبزر، لتكون لكم طعاما. أما العشب الأخضر فقد جعلته طعاما لكل من وحوش الأرض وطيور السماء والحيوانات الزاحفة، ولكل ما فيه نسمة حياة". وهكذا كان.
ورأى الله ما خلقه فاستحسنه جدا. ثم جاء مساء أعقبه صباح فكان اليوم السادس.
اليوم السابع: يوم الراحة
2- وهكذا اكتملت السماوات والأرض بكل ما فيها. وفي اليوم السابع أتم الله عمله الذي قام به، فاستراح فيه من جميع ما عمله. وبارك الله اليوم السابع وقدسه لأنه استراح فيه من جميع الخلق، هذا وصف مبدئي للسماوات والأرض يوم خلقها الرب الإله".
هذا التفصيل ببدء خلق السماوات والأرض غير واضح فما هي الأرض المشوشة والمقفرة، وما الفرق بينها وبين الأرض الجافة، لقد تم تلقيح وتحريف هذا الكتاب لعله يتم تلافي ما حرف سابقا، فلو ذكرنا الترتيب الوارد في هذا الكتاب كما يلي:-
»اليوم الأول خلق الله النور، وذلك غير صحيح لأن الليل والنهار يكون نتيجة دوران الأرض حول نفسها ودورانها حول الشمس.
»في اليوم الثاني خلق الجلد، ما هو الجلد الذي يحجز ماء عن ماء فالسماء ليست جلد، هي غاز ولا يوجد فرق بين المياه التي تحملها السحب والمياه التي تغمر الأرض، فالمياه العذبة أصلها السحب، وجلدة السماء الزرقاء التي كانت حسب اعتقادهم سكنا للخالق والملائكة لها أثر كبير في تكذيب أعداد كبيرة من المفكرين والعلماء للكتاب المقدس وارتيابهم حتى في الخالق.
اليوم الثالث: الأرض الجافة والخضروات وفي اليوم السابع بعد تمام الخلق نمت الزروع والأعشاب وهذا تحريف واضح لتلافي التحريف السابق. وهذا غير صحيح فالعلم قدر عمر المجموعة الشمسية بـ 4.5 مليار سنة تقريبا بينما قدر عمر الكون من 13- 15 مليار سنة تقريبا. كل هذا التعارض لا يغيب عن العاقل، بل إن التعارض التالي فيه كذب على الله تعالى، فكيف يكون خالق أزلي ويستريح في اليوم السابع، وهذا جهل في قدر الله تعالى، فالأزلي أو السرمدي لا يموت ولا يزول ولا يتعب ولا يجوع، هو موجود قبل الوجود، وأعظم من الخلق وليس كمثله شيء، بينما الإنسان خلق على شكله ولم يكن خلق آخر وتطور، فالله تعالى أحسن صورة آدم عليه السلام فبدأ خلقه إنسانا ولم يخلقه حيوانا فتطور حتى أصبح إنسانا، فحاشا أن يكون شكله على مثل الخالق سبحانه وتعالى عما يصفون قال تعالى: " الله الذي جعل لكم الأرض قراراً والسماء بناءاً وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين" غافر (64). ورغم التغيرات والتحريفات الدورية لتلافي الأخطاء إلا أن ذلك لا يغيب عن كل عقل له ذرة من الوعي فالأمر بالإضافة أنه عقيدة هو مصالح ومنافع وظروف خاصة وعامة لها قدرة كبيرة في السيطرة وإخضاع وتحديد الفكر، بل إن الأمر أكثر سواء من ذلك، كثيرا ما ادعت هذه الفاعليات بالباطل وصدقته.(1)
قال تعالى: " أم آتيناهم كتابا من قبله فهم به مستمسكون. بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون. وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون. قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون" الزخرف(21-24).
مترفوها: هم أصحاب المصالح والمنافع الذين استفادوا وبرعوا في استغلال الوضع المنحرف ( ويبغونها عوجا ).
هذه بعض الظروف والتي ما انفكت تلقي بظلالها على الفكر، وكما ذكرنا سابقا
فبالإضافة إلى العامل الظرفي الخاص بكل مفكر على حدة وكل جماعة.فإن المؤثرات المادية والمعنوية هي التي تصوغ الفكر وتشكله وبالتالي وهذا كله يشكل أزمة فكرية ظاهرة ومستترة( والمستترة تعني اقتناعا نفسيا أن ذلك كذب وريبة في كل شيء)
إن تجرد الأحكام والقرارات من الميول والأهواء هو العدل (أسمى الفضائل الإنسانية)، يظل هذا التوجه في البيئة البشرية السابقة محدودا، فوجود الفرد ضمن جماعة يفرض عليه الالتزام بمفهوم العدل السائد لتلك الجماعة، وقد تتغلب عليه المفاهيم الشكلية أو الدستورية والأهواء العامة، ففي بعض الدول والتي قطعت شوطا في التقدم الثقافي والحضاري لازالت تشرع دستورا يرفض وجود الخالق الأزلي، وتعاضد الأسباب وتفاقمها للإيقاع بالفكر لا يعني أن سبل العلم ووسائله لا تثني الفكر السليم نحو الهدى والحق، فأما من اتبع الشهوات ووقع في براثن الجهل ( وهو المتفشي ) ومخلفات الفكر الفاسد من ثقافات بالية عاجزة أمام التحديات العلمية( وظن في نفسه الظنون) قال أنه لا يزال مترددا في قبول فكرة الإله أو الخالق، وحتى لا ننساق بالعبارات، فإن الأمر يقتضي التمييز للتعرف على مفردات الفكر وهي: الفكرة، فالنظرية، فالحقيقة وعلاقة كل ذلك بالحق.
الحمد لله رب العالمين الذي هدى الناس النجدين، وليس بعد الحق إلا الضلال المبين، قال تعالى: " بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون" الأنبياء(18).
الفكر هو نشاط عقلي مستمر يرتبط بالكائنات الحية الذكية، وهو دليل أهليتها ووجودها في وضع مميز بين الكائنات، والاستمرار يعني التراكم الثقافي والعلمي لتحقيق إدراك ومستوى معيشي وفكري أفضل، فالإنسان هو أكثر المخلوقات نشاطا عقليا على الأقل في العالم المشاهد أو المحسوس، وذلك لم يكن هباءاً فالتأهيل الفكري تزامن مع تسخير ما في السماوات والأرض قال تعالى: "ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير" لقمان (20).
فالسماوات والأرض مسخرات للإنسان وغيره من الكائنات الحية والله تعالى أتم النعم على الإنسان فمنها ما هو ظاهر مثل النعم الحسية والحركية أو جميع الوسائل التي يدرك بها الإنسان البيئة ويتكيف معها. ولكن كيفية التكيف والاستجابة لهذه البيئة هي من النعم الباطنة أو الظاهرة وتختلف من إنسان لآخر بناءا على مكتسباته العلمية والفكرية . وعلى أثر تلك المكتسبات يكون الإيمان فالأمن والهدى وتلك من النعم الباطنة ولم يكن ذلك باطلا، فلا يعقل أن يكون الخلق والإبداع عبثا أو دون هدف، ذلك ظن الذين لا يعلمون، فلكل شيء سبب وللخلق هدف وهو عظيم، قال تعالى:" أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون" المؤمنون (115).
فلو ضربنا مثلا (ولله المثل الأعلى) إن نظاما معينا أتقن عمله وزود بتقنيات رفيعة تغني عما سواها، فهل يعقل أن يوجد هذا النظام هباءاً؟! وهل يعقل أن هذا النظام أوجد نفسه بنفسه، قال تعالى: " أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون. أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون"الطور(35-36).
كلا إن درجة الإتقان تدل على المبدع أو الخالق، وكلما زاد النظام إبداعا ودقة زادت معه المعرفة بالمبدع والخالق. وأكثرهم علما ودراية في تحديد هدف النظام هو المبدع أو الخالق، كل ذلك في ظل توفر الإمكانيات والمواد الأساسية، فإذا كان الخلق من العدم فإن الخالق أو المبدع هو فقط الذي يضع ويحدد السبب والهدف ويعلم كل شاردة وواردة، وما تخفي الصدور، قال تعالى: " قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد. قل ما أسألكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله وهو على كل شيء شهيد". سبأ(46-47). يأمر الله تعالى النبي صلى الله عليه وسلم بأن يعظ الناس بفكرة واحدة ( في أسلوب بيان وتحدي وصيغة إعجاز) أن يتخذوا أسلوب الفكر السليم منهجا فرادى وجماعات ليتفكروا في خلق الله تعالى وقدرته، وأن ما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم ليس هراء أو جنونا إنما يسر بلسانه لينذر من عذاب شديد.
فالله تعالى هدى الإنسان سبل الحق والرشاد وأمره بالعدل وفي ذلك تقوى الله وطاعته. والظلم في السياق الفكري هو ظلم النفس، فالإنسان يضر نفسه ويظلمها إن تجاهل الحقيقة فهو أكثر ظلما إذا نسي أو تجاهل الحق، وأما جزاء النبي صلى الله عليه وسلم فعلى الله وهو على كل شيء شهيد.
أما الفكرة فهي ناتج الفكر أو وحدة جزئية من الفكر وتخص شيئا محددا كان أسلوبا أو تصورا أو مفهوما أو هي افتراض عقلي يحتمل الصواب والخطأ وتكون عرضة للتغير حسب الشخص والمعطيات. فإذا كان أسلوب فكريا فهي تحديد وسائل معينة تستخدم لإنجاز عمل محدد يحقق هدفا حدد أو عرف سابقا، وقد يتضمن ذلك فعلا حركيا، وبشكل عام هي أسلوب أو سلوك اجتماعي يحقق غاية معينة سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو
اقرأ المزيد