الصفحة الرئيسية ›› العلوم ›› منوعات ›› شخصيات

post-image

نصير الدين الطوسي . . الفلكي العبقري

2012-11-20 07:02:13

  • 99

يقول محمد بن شاكر في كتابه “فوات الوفيات«: “نصير الدين الطوسي أحد العلماء الأفذاذ القلائل الذين ظهروا في القرن السادس الهجري، وأحد حكماء الإسلام المشار إليهم بالبنان، وهو من الذين اشتهروا بلقب علامة . إن مؤلفات الطوسي ورسائله في الرياضيات كونت مكتبة قيمة زادت في الثروة الإنسانية العلمية ودفعت بها إلى الارتقاء، فقد لمع في الدروس والبحث والابتكار، وكانت له مكانة عند الخلفاء وأولى الأمر من الأمراء والوزراء، فكان المقدم عندهم وصاحب الرأي لديهم، لكن الحياة لم تسر معه على هذا المنوال وأبت الظروف إلا أن تعاكسه، فإذا بعض الوزراء والحاكمين يحرضون عليه بدافع من الحسد والغيرة فقد ترصدوا له وأوقعوه في حبائل إجرامهم وشراك كيدهم، وها هو حاكم قبستان يحكم عليه بالحبس إرضاء لأهواء الوزراء وغيرهم من الحاسدين ويضعه في إحدى القلاع سجيناً مقيد الحرية، ولئن كان السجن نقمة على الطوسي فهو في الواقع نعمة على العلم والتأليف، إذ مكنه من إنجاز أكثر تآليفه في الرياضيات، وهي التي خلدته وجعلته علماً بين العلماء . مع هولاكو ويذكر صالح زكي في كتابه “آثار باقية”أن الزمن دار دورته، حيث استولى هولاكو على بغداد واسترد الطوسي حريته، ولا يقف الأمر عند هذه الحدود، بل استطاع أن يكسب منزلة عالية عند هولاكو جعلته يطيعه في ما يشير به عليه، وقد بلغت منزلته درجة جعلته الأمين على أوقاف المماليك التي استولى عليها هولاكو، وقد تجلت براعة الطوسي في أروع صورها، وتجلى حبه للعلم ورغبته في البحث والدرس، فاستغل الأموال التي تحت تصرفه وأنشأ بها مكتبة كبيرة وبنى مرصد مراغة الذي اشتهر بآلاته وراصديه، فاحتوت المكتبة على كل نفيس نادر، وكانت الأولى من نوعها في العالم، وأما المرصد فكان يشتمل على آلات كثيرة بعضها لم يكن معروفاً عند الفلكيين، وقد جمع فيه الطوسي جماعة من كبار الحكماء وأصحاب العقول النيرة من شتى الأنحاء، ومن أعيان هذا المرصد المؤيد العرضي من دمشق، والفخر المراغي من الموصل، والفخر الخلاصي، والنجم دبيران القزويني، ويحيى الدين المغربي من حلب، وفي هذا المرصد استطاع أن يخرج أكثر مؤلفاته وأزياجه في الفلك التي كانت من المصادر المعتمد عليها في عصر النهضة في أوروبا . “شكل القطاع« ويؤكد محمد بن شاكر في كتابه “فوات الوفيات«، أن للطوسي مؤلفات قيمة في الرياضيات، ولعل كتاب “شكل القطاع”أجلها، فهو كتاب وحيد في نوعه ترجمه الغربيون إلى اللاتينية والفرنسية والإنجليزية، وبقي قروناً عديدة مصدراً لعلماء أوروبا يستقون منه معلوماتهم في المثلثات الكرية والمستوية، وقد اعتمد عليه (ريجيو مونتانوس) كثيراً عند وضعه كتاب المثلثات، ونقل عنه (عن كتاب شكل القطاع) بعض البحوث والموضوعات وقد أحكم الطوسي ترتيب موضوعات هذا الكتاب وتبويب نظرياته والبرهنة عليها، ووضع كل هذا في صورة واضحة لم يسبق إليها، والطوسي أول من استعمل الحالات الست للمثلث القائم الزاوية، وقد أدخلها في كتابه الذي نحن الآن بصدده، ومن يطالع هذا الكتاب يجد فيه ما يجده في أحسن الكتب الحديثة في المثلثات، وله كتاب “تحرير إقليدس”الذي أظهر فيه براعة فائقة ولاسيما عند البحث في بعض القضايا التي تتعلق بالمتواليات، وقد جرب أن يبرهن قضية (المتوازيات وبنى برهانه على فرضيات، إذ كان الخط (ج . د) عمودا على (أ ب) في نقطة ج . . .إلخ)، وفي كتاب “التذكرة”أدخل الطوسي بعض الأعمال الهندسية فقد برهن المسألة الآتية : دائرة تمس أخرى من الداخل قطرها ضعف الأولى، تحركتا في اتجاهين متضادين وبانتظام بحيث تكونان دائماً متماستين وسرعة الدائرة الصغيرة ضعف سرعة الدائرة الكبرى، برهن على ان نقطة الدائرة الصغرى تتحرك على قطر الدائرة الكبرى . شهادة منصفة ويعترف “سارطون”في كتابه “مقدمة لتاريخ العلم”بأن الانتقاد الذي وضعه نصير الدين للمجسطي يدل على عبقريته وطول باعه في الفلك ويتضح من مؤلفاته في “الهيئة”أنه أضاف إليها إضافات مهمة، فقد تمكن من إيجاد مبادرة الاعتدالين ومن استنباط براهين جديدة لمسائل فلكية عويصة، كما حاول أن يوضح بعض النظريات، لكنه لم يوفق في تبسيطها وهذا هو السبب في كثرة الشروح التي وضعها علماء المسلمين والعرب لأزياجه ورسائله، ويتبين من مؤلفاته أنه انتقد كتاب المجسطي، وأنه اقترح نظاماً جديداً للكون أبسط من النظام الذي وضعه بطليموس، ويؤكد “سارطون”أن هذا الانتقاد يدل على عبقرية وطول باع في الفلك، وهو في الواقع خطوة تمهيدية للإصلاحات التي تقدم بها “كوبر نيكس”في ما بعد، وقد ترجم (كارادي فو) بعض الفصول من كتب الطوسي إلى الفرنسية، وكذلك كتب “تاني ودراير”عنه، وعن بحوثه في الكرة السماوية ونظام الكواكب وغيرها . كان الطوسي منصرفاً إلى العلم ولولا ذلك لما استطاع أن يترجم بعض كتب اليونان وأن يضع المؤلفات الكثيرة والرسائل العديدة في شتى فروع المعرفة، وهي تدل على خصب قريحته وقوة عقله وكان لها أثر كبير في تقدم العلم والفكر وهو يعد من أعظم علماء الإسلام .

المراجع

جريدة الخليج
http://www.alkhaleej.ae/

تعليقات