النسوي . . مجدد علم الحساب
2012-11-11 00:05:41
علماء علموا العالم يقول قدري حافظ طوقان في كتابه (تراث العرب العلمي في الرياضيات والفلك ) في مقدمة تعريفه بالقاضي النسوي: “ما أكثر الذين لم يوفهم التاريخ حقهم من البحث والتنقيب وقد أحاط بهم الغموض والإيهام وراحوا ضحية الإهمال، فلا ترى لهم اسماً في الكتب التاريخية ولا ذكراً في معاجم الأعلام والعلماء، ومن هؤلاء الذين يكاد يطغى عليهم النسيان أبو الحسن علي أحمد النسوي، وهو من رياضيي القرن الخامس للهجرة من بلدة (نسا) بخراسان، درس العلوم الرياضية وفسر بعض الحقائق الغامضة في إقليدس ومينالاوس . ولكنه برع في علم الحساب وألف فيه مادة كافية لمختلف طبقات الناس لا تختلف في أي حال من الأحوال عن كتب الحساب الحديثة التي تدرس الآن في التعليم العام . ولقد تجنب النسوي الإيجاز الذي يجعل المادة صعبة على الدارس والإطناب الذي يخلق الملل وينفر الدارس، وهذا بالضبط المنهج الحديث المطلوب”. وتعود شهرة النسوي الحقيقية إلى أنه استطاع وبكل جدارة أن يحول الكسور الستينية إلى الكسور العشرية واستعملها في كتابه “المقنع في الحساب الهندي”الذي ألفه باللغة الفارسية تلبية لرغبة مجد الدولة بن فخر الدولة الذي طلب منه أن يؤلف كتاباً يكون موافقاً لديوان محاسبته . وقد نال هذا الكتاب شهرة واسعة حتى إن أمير بغداد في ذلك الوقت شرف الدولة طلب من أبي الحسن النسوي ترجمة الكتاب نفسه إلى اللغة العربية لكي يتم الانتفاع به من عامة الشعب، وقد ترك النسوي عدداً قليلاً من المؤلفات ولكن كان لها بالغ الأثر في تطوير علم الرياضيات منها “رسالة المدخل في المنطق الرياضي«، وكتاب “التجريد في أصول الهندسة«، و”كتاب المتوسطات«، ولم يكتب عنه ما يشفي غلة المنقب، وقد أهملته المصادر إهمالاً معيباً، وإذا اطلعت على تاريخ الرياضيات “لسميث”وجدت عنه نبذة لا تتجاوز عشر كلمات وهي: “إن النسوي ألف في الحساب الهندي وشرح بعض المؤلفات لأرخميدس”. وتجد أيضاً في كتاب آخر يبحث في الأرقام الهندية العربية من تأليف سميث وكاربنسكي: “النسوي من الذين استعملوا كلمة الهندي لتدل على الحساب في القرن الحادي عشر للميلاد”. نظرة نقدية ويقول صالح زكي في كتابه “آثار باقية”إنه لم يتمكن من العثور على شيء يتعلق بحياة النسوي، ومع ذلك فقد استطاع أن يكتب عنه بصورة أوسع من غيره من المؤلفين، معتمداً في ذلك على مقدمة كتاب “المقنع”لصاحب الترجمة، ومن هذه الترجمة يفهم أن النسوي ينتسب إلى مجد الدولة بن فخر الدولة حاكم العراق الفارسي، ويقال إن مجد الدولة هذا طلب من النسوي أن يؤلف له كتاباً باللغة الفارسية يبحث في الحساب الهندي على أن يكون موافقاً لديوان محاسبته ويمكن الانتفاع به، وقد كان ما أراد الحاكم وخرج الكتاب إلى الناس فانتفعوا به، وعنه أخذوا الشيء الكثير لمعاملاتهم، وقد اطلع شرف الدولة أمير بغداد على هذا الكتاب، ويظهر أنه رأى فيه فائدة وانتفاعاً فأمر النسوي بأن يؤلف له كتاباً باللغة العربية يكون على نمط الكتاب المذكور، وكان لشرف الدولة ما أراد، حيث أخرج النسوي كتاب “المقنع”وقد وفق فيه كثيراً، وهذا الكتاب هو نموذج حقيقي يدلنا على المرتبة التي بلغها الحساب الهندي في العراقين العربي والفارسي في أوائل القرن الحادي عشر للميلاد، ولهذا الكتاب مقدمة ينتقد فيها مؤلفه الذين تقدموه من الرياضيين وأيضاً معاصريه من واضعي كتب الحساب، ويُنحي باللائمة على جميع هؤلاء، ويقول إنه: وجد تشويشاً وتطويلاً في الكتب الحسابية التي وضعها الكندي والأنطاكي . كما أنه وجد في مؤلفات علي بن أبي نصر في الحساب تفصيلاً لالزوم له، وأن هناك كتباً أخرى في الحساب للكلوازي فيها صعوبة والتواء وتعقيد لا تعود على القارئين بالفائدة المتوخاة، ويقول أيضاً إنه لا يريد أن يجعل بحوثه في كتابه تدور على موضوع واحد، كما أنه لا يريد أن يحذو حذو الدينوري الذي ألّف كتاباً عنوانه يدل على أنه يتناول موضوعات الحساب المختلفة بينما هو في الحقيقة، يتناول حساب النجوم فقط، وليس فيه فرع من فروع علم الحساب . كتاب فريد وذكر قدري حافظ طوقان في كتابه “تراث العرب العلمي في الرياضيات والفلك«، أن القاضي النسوي لا يريد أن يكون في كتابه هذا مثل كوشيار الجبلي الذي وضع كتاباً في الحساب تعب منه الإيجاز، وعنوانه لايدل بحال من الأحوال على ما تضمنه من بحوث حسابية وأعمال رياضية، ولهذا يقول النسوي إنه رأى الضرورة تدعوه إلى أن يخرج إلى الناس كتاباً يتجنب فيه الأغلاط التي وقع فيها غيره من إيجاز يجعل المادة صعبة غير واضحة، ومن إطناب يدخل إلى نفوس القارئين الملل والسأم، وبالفعل أخرج كتاباً كان فريداً في بابه، جمع فيه أحسن ما في كتب المعاصرين والمتقدمين وقد أضاف إليه كثيراً من نظرياته ومبتكراته، ووضع كل ذلك في قالب سهل لا صعوبة فيه ولا تطويل يمكن للراصد والطالب، ولكل من يريد الوقوف على أصول المعاملات المتنوعة في الأمور الحسابية أن يستفيد منه .
تعليقات