الصفحة الرئيسية ›› العلوم ›› منوعات ›› اسلاميات

post-image

المدين . . أسير حرره الاسلام

2012-11-24 06:38:38

  • 36

"يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدَّيْنَ" “ . . اللهم إني أعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال . .” دعاء كان يحرص عليه النبي صلى الله عليه وسلم، لتتعلم الأمة كيف أن الدين همّ يجب بكل الطرق أن تبتعد عنه . أما وقد حدث . . واستدان المسلم لسبب أو لآخر . . فما السبيل لإزاحة هذا الهم؟ وكيف استطاع الإسلام أن يقدم حلولاً للمدين تقيله من عثرته؟ وماذا عن حقوقه داخل المجتمع المسلم؟ وماذا لو مات المدين من دون أن يسد دينه وليس له تركة؟ هل يظل محبوساً عن الجنة أو يتدخل المجتمع المسلم لفك هذا الحبس؟ البداية كما يرى د . محمد سراج أستاذ الشريعة الإسلامية تتضح مع المفهوم الذي وضعه الإسلام للدين في العقلية المسلمة . ويوضح قائلاً: “التحذير الشديد الذي انتهجته الشريعة الإسلامية بمصادرها في قرآن وسنة، جعل العقلية المسلمة بطبيعتها هيابة من وقوعها تحت طائلة هذا الهم المسمى بالدين، فمثلاً في الحديث الذي يرويه الإمام مسلم عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “يُغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين”، تأكيد أن الشهادة مع عظم شأنها، إلا أن الدين يحجب صاحبها عن الجنة . وفي حديث محمد بن جحش قال: “كنا جلوساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرفع رأسه إلى السماء ثم وضع راحته على جبهته، ثم قال: “سبحان الله ماذا نُزل من التشديد”؟ فلما كان من الغد سألته: ما هذا التشديد الذي نُزل؟ فقال: “والذي نفسي بيده لو أن رجلاً قُتل في سبيل الله ثم أحيي ثم قُتل ثم أحيي ثم قتل وعليه دين ما دخل الجنة حتى يُقضى عنه دينه”” . عبقرية الإسلام وبناء عليه يؤكد د . سراج أن العقلية المسلمة أصبحت معبأة من الدين بطريقة تجعلها تفكر آلاف المرات قبل التعامل به، وهذا من عبقرية التشريع الإسلامي في معالجة الأمور من أساسها . . على حد تعبيره . ويشير د . سراج إلى وجوب سداد الدين عن الغارمين والمدينين، مؤكداً أن لهم نصيباً من أموال الزكاة لفك دينهم، قال تعالى “إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم” . ويضيف: كان وضع المدين سيئاً قبل الإسلام، حيث كان القانون الروماني يعطي الحق في استعباده أو إلحاق جميع أنواع الأذى به، ولكن جاء الإسلام ليوصي بالغارمين والمدينين خيراً، وليقلص سلطة الدائن على المدين ويحصرها في حدود المال الذي يحق للدائن أخذه منه . وقد ترجم الفقه الإسلامي هذا بعمل فصل بعنوان “الإفلاس” في كتب الفقه المختلفة لوضع سلطة الدائن على المدين في حدود المال فقط . . لاغياً فكرة الاسترقاق أو التحكم في المدين . وفي ما يخص الدفع من أموال الزكاة لسداد دين مسلم فقير، خاصة إذا كان مهدداً بالسجن يوضح د . محمد رأفت عثمان أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، أن المسجون في قضايا يحرمها الشرع لا يجوز أن يدفع له من أموال الزكاة، أما من كان سبب دينه يتعلق بإنفاق ملحٍّ على أسرته أو نفسه أو إجراء عملية جراحية مثلاً، فتجوز له الزكاة . سندات الوقف وعن الحلول العملية التي أبدعتها الحضارة الإسلامية لضمان حقوق المدين، يؤكد الدكتور محمد عبدالحليم عمر أستاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر أن الوقف أسلوب إسلامي يدخل في إطار الصدقات الجارية التي حض عليها الإسلام، لتوفير مصدر ثابت ومستمر لتمويل الحاجات العامة ورعاية الطبقات الفقيرة، مشيراً إلى دوره في فك حاجات وسداد ديون الغارمين والمدينين . ويوضح د . عمر أن الوقف قام بدور بارز في عصر ازدهار الدولة الإسلامية، لافتاً إلى أن الأوقاف القائمة الآن من آثار تلك الفترة، إلا أنه في العصر الحاضر قلّت موارد الوقف نظراً لزيادة نطاق الفقر، وعجز الموارد المالية العامة عن تلبية احتياجات الطبقات الفقيرة في المجتمع، إضافة إلى ما تفرضه العولمة من تقليص لدور الدولة الاقتصادي حتى في عملية إنشاء وإدارة المرافق العامة، وهو ما ترتب عليه إبراز أهمية دور المنظمات غير الحكومية التي تقوم على المشاركة الشعبية في الخدمات العامة . ويشدد د . عمر على ضرورة البحث عن أساليب وآليات لتوفير موارد لتمويل الحاجات العامة في المجتمع المسلم وفقاً لما قررته الشريعة من نظم وأساليب كثيرة ومتعددة، مثل: الزكاة، والوقف، وسائر الصدقات التطوعية والنفقات الواجبة، بدلاً من البحث عن المستورد من الأفكار، طارحاً فكرة جديدة تحت مسمى “سندات الوقف” يمكن من خلالها إحياء دور الوقف، للإسهام في توفير مصدر دائم ومستمر لتمويل الحاجات العامة . دين المتوفى وعن سداد دين المدين بعد وفاته يقول د . سعد الدين الهلالي الأستاذ بجامعة الأزهر: إن الدَّيْن يظل متعلقاً بذمة المدين حتى بعد لقاء الله، كما ورد في الحديث “يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين”، ويجوز للمسلم أن يسهم في فك دين المدين بعد وفاته لحديث أبي قتادة في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءته جنازة ليصلي عليها سأل: هل عليه دين؟ قالوا: ديناران، فقال: صلوا عليه أنتم فوقف أبو قتادة وقال: صل عليه يا رسول الله وعلي دينه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بالوفاء؟ فقال: نعم بالوفاء يا رسول الله، فصلى عليه النبي . ويشير د . الهلالي إلى أن الميت يكون مرهوناً بدينه إذا كان مقصراً في الوفاء به، أما إذا كان فقيراً في الأصل، والمقترض أعطاه وهو يعلم بفقره وعجزه عن السداد، فإن الله عز وجل يغفر له، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم رحمة الله به في قوله: “من مات وله مال فماله لورثته ومن مات وعليه دين فعليّ دينه”، ويفسر الفقهاء “عليّ دينه” أنه في ذمة بيت المال أي: على الدولة وعلى الموسرين والقادرين أن يتولوا الأمر، لأنه لم يكن مقصراً ولا مسوفاً ولا مماطلاً . ويضيف: إن الإثم يكون على المماطل لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “مطل الغني ظلم يحل عوضه وعقوبته”، وإذا ثبت أن الميت المدين كان ظالماً ومسوفاً ومانعاً للوفاء من غير عذر، فإنه يكون مرهوناً بدينه يوم القيامة، ويمكن لورثته وأحبائه أن يفدوه بإخراج الدين لصاحبه من ماله أولاً، فإن لم يكن فمن المتصدقين عليه، لأن الله منع توزيع الميراث أو التركة إلا بعد الوفاء بالديون لقوله تعالى “من بعد وصية يُوصَى بها أو دين” . تقسيم التركة وفي السياق ذاته مع بعض الاختلاف يرى د . عبدالحي عزب أستاذ الشريعة وعميد كلية الدراسات الإسلامية بالأزهر أن الفقهاء أكدوا أن ما يتعلق بتركة المتوفى هو أن يتم تجهيزه وتكفينه من دون إسراف، ثم بعد ذلك يتم سداد الديون عنه، ثم تنفيذ الوصية ثم ما بقي للورثة . ويستطرد قائلاً: إذا لم تكفِ التركة لسداد الديون أو إذا لم يترك المتوفى تركة أصلاً، فيمكن سداد الديون من الصدقات وزكاة الموسرين، ولا داعي لجدل الفقهاء حول وجوب سدادها من بيت المال، لأن ذلك الحديث لا يتناسب مع قضايا عصرنا الحالي حسب تعبيره . ويفسر عزب كلامه قائلاً: بيت المال الممثل في وزارة المالية لا يمكنه تحمل ديون الفقراء، ففي ذلك تحميل لا تطيقه الدولة، والإصرار على ذلك فيه تعطيل لسداد دين المتوفى وإغلاق لأبواب الخير بين الناس أمام سداد الديون .

المراجع

جريدة الخليج
http://www.alkhaleej.ae/

تعليقات