حد الحرابة
2012-11-25 05:59:32
يعتبر الأمن نعمة عظيمة من نعم الله تعالى على أي مجتمع، وقد منّ بها سبحانه على أهل مكة، فقال فيهم “فليعبدوا رب هذا البيت، الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف” (قريش 3 4)، ففي ظل الأمن تتمكن الأمة من ممارسة حياتها اليومية بكل طمأنينة، وهو الذي يضمن لها الاستقرار والإسهام في ارتقاء الحياة البشرية وتقدمها المثمر، مما يوفر للناس ضمانات الحياة كلها . والأمن الداخلي هو من الحقوق العامة للمجتمع المسلم، قال صلى الله عليه وسلم “من أصبح منكم آمناً في سربه معافى في جسده عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا” (رواه الترمذي)، والأمة بحكامها ومسؤوليها وجميع أبنائها كل حسب موقعه هي المسؤولة عن حماية النظام وإقرار الأمن وصيانة حقوق الناس بالمحافظة على دمائهم وأموالهم وأعراضهم التي كرمها الإسلام وفرض حمايتها والحفاظ عليها، فإن خرجت عصابة تقطع الطريق على المسلمين وتعرض حياتهم للفوضى وجب قتالهم ووجب على الأمة معاونة الحاكم في ذلك لاستئصالهم وقطع دابرهم حتى يعود الأمن والطمأنينة والاستقرار بين الناس . إن خروج مثل هذه العصابات المسلحة في المجتمع الإسلامي لإحداث الفوضى وسفك الدماء وسلب الأموال وهتك الأعراض وإهلاك الحرث والنسل، متحدية بذلك الدين والأخلاق والنظام والقانون، هو من الحرابة التي توعّد الله مرتكبيها بأغلظ العقوبات . والحرابة في اللغة هي الحرب، وهي نقيض السلم، وهي الخروج مجاهرة لأخذ المال أو للقتل أو لإلقاء الرعب أو الاعتداء على الأعراض اعتماداً على القوة وإشهار السلاح . الحرابة إذن جريمة عظيمة لما فيها من إفساد في الأرض وترويع الآمنين والاعتداء على حقوقهم التي تصونها الشريعة ولذا غلظ الله العقوبة فيها فقال تعالى “إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم” (المائدة 33) . وتتنوع العقوبة في الحرابة، كما تتنوع جرائمها، فقد تقوم العصابات المجرمة بالقتل وبالسلب ونهب الأموال أو بالاختطاف أو هتك الأعراض وغيرها من الجرائم أو تكتفي بمجرد الترويع ونشر الذعر بين الناس، وقد ترتكب العصابة جريمة واحدة من هذه الجرائم، وقد ترتكب جرائم مجتمعة، والجزاء الذي يستحقه أفراد هذه العصابات، هو الحد الذي شرعه الله تعالى بأن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض . مع أن من العلماء من يرى تخيير الحاكم بين العقوبات المنصوص عليها حسبما تقتضيه المصلحة إلا أن العدل يقتضي أن يعاقب المحارب بالحد الذي يناسب ما ارتكب من جرم، وهذا اجتهاد الجمهور من أهل العلم، فإن كانت الحرابة تتمثل في الإخافة فقط فالعقوبة هي النفي من الأرض بإخراج المحاربين من البلد الذي أفسدوا فيه إلى بلد آخر، فإن هذا يضعف قوتهم ويذوقوا الغربة بما يناسب ما كانوا عليه من ظهور وتكاثر بالقوة والسلاح، وقد يكون السجن من معاني النفي وأكثر نفعاً في صلاح النفس . أما إن تمثلت الجريمة في أخذ المال فقط، فالحد هو قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى أي من خلاف، وذلك لأن أخذ المال رافقه رعب وتخويف، ولا بد في ذلك من مراعاة أحكام القطع . وإن كانت الحرابة قد أسفرت عن القتل وحده فالعقوبة هي القتل، وفي هذه الحالة لا يحق لولي دم المقتول أن يعفو، لأن العفو من حقه في حالة القصاص فقط، وهذه الجريمة ليست قصاصاً بل هي من الحدود التي لا عفو فيها، أما إن رافق القتل أخذ للمال فتكون العقوبة القتل والصلب، حيث يصلب المحارب ثم يقتل . وقد تبدو هذه العقوبة قاسية شديدة، لكنها لازمة لمن لا تردعهم إلا القوة، فإن النظم والقوانين ينبغي أن تطاع، والعقوبات هي زواجر تدرأ المفاسد عن الأمة والمجتمع وتحمي حقوق الناس وأمنهم
تعليقات