الدينوري شيخ النباتيين العرب
2012-11-27 06:18:41
أنه إذا كان الغزالي حجة الإسلام في الفلسفة، والفارابي المعلم الثاني، وابن سينا الطبيب والفيلسوف الأول، وعمر بن أبي ربيعة شاعر الغزل والجمال، وابن خلدون رائد علم الاجتماع والفلسفة الرفيعة، فإن الدينوري هو المبدع في مجال الزراعة، وعلم النبات . تقول الدكتورة رحاب إبراهيم سليمان عيسى في كتابها “أبرز العلماء العرب والمسلمين وماذا قدموا للعلم”: “الدينوري أروع عالم نباتي واسمه أحمد بن داوود الدينوري الحنفي، أو أبو حنيفة الدينوري وهو نباتي عربي يعتمد في مؤلفاته على مصادر عربية أصيلة، عاش في القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي)، وينسب إلى موطنه (دينور) في إقليم همدان، ولد في عائلة من أصل فارسي، وتوفي في العام (281 ه، 894م) . اشتغل الدينوري بعلوم كثيرة، وكان واسع الأفق، وكان يعرف ب”العشاب”، وأطلق عليه البعض لقب “شيخ النباتيين العرب”، وقد تميز أسلوبه بالسهولة والبلاغة في وقت واحد . ثقافة موسوعية عرف أبو حنيفة الدينوري الذي كان موسوعي الثقافة بكتابه في علم النبات وإن كان له مؤلفات أخرى يربو عددها على العشرين في الأرصاد الجوية والمنطق والتاريخ، أما كتاب النبات الشهير فقد تضمن معلومات قيمة عن الحيوان، وبقي هذا الكتاب مرجعاً لعلماء النبات في العالم أجمع مدة طويلة . ويذكر الفيلسوف ويل ديورانت في موسوعته الفريدة “قصة الحضارة” أن الدينوري أضاف إلى ما نقل عن ديسقوريدس عالم الزراعة الإغريقي المعروف، كثيراً من النباتات الطبية التي دخلت في تركيب العقاقير وأصبحت من عناصر العلوم الصيدلانية . وإضافة إلى ذلك، فإنه أول عالم نبات عربي ينبغ في طريقة التهجين، حيث تمكن من أن يستولد (ينتج) أثماراً ذات صفات جديدة بطريقة التطعيم، كما استطاع أن يخرج أزهاراً جديدة بالمزاوجة بين الورد البري وشجرة اللوز، وبذلك سبق الدينوري العالم النمساوي (مندل) في وضع أسس علم الوراثة . تفاصيل دقيقة وكان الدينوري يعتمد في وصفه للنبات على مشاهداته هو، أو يستشهد بأقوال من شاهدوه من العرب، أو تحدثوا عن مواطن نموه أو أزهاره أو استعمالاته . كما اهتم بذكر مواطن النبات وذكر تفاصيل دقيقة عن أعضائه وأجزائه وثماره . وأبرز الذين نقل الدينوري عنهم: أبو زيد الكلابي، وأبو زياد الأنصاري، والأصمعي، وأبو نصر . وأشاد أبوحيان التوحيدي بأبي حنيفة الدينوري في كتاب (الأخلاق)، حيث قال عنه:لم أجد في جميع من تقدم وتأخر ثلاثة: لو اجتمع الثقلان (الإنس والجن)، على تقريظهم ومدحهم ونشر فضائلهم وأخلاقهم وعلمهم ومصنفاتهم ورسائلهم مدى الدنيا إلى أن يأذن الله بزوالها، لما لقوا ما يستحقه كل منهم، أحدهم أبو عثمان عمرو بن بحر (الجاحظ)، والثاني أبو حنيفة أحمد بن داوود (الدينوري) فإنه من نوادر الرجال، جمع بين حكمة الفلاسفة وبيان العرب، وله في كل فن ساق وقدم وآراء وحكم، والثالث أبو زيد حمد بن سهل البلخي” . ويقول ياسيم خليل في كتاب “العلوم الطبيعية عند العرب”: إن أبا حنيفة الدينوري وصف الجراد وصفاً دقيقاً، يدل على قوة الملاحظة والتدقيق من أجل الاستزادة في المعرفة العلمية، كما كان يصف “النحل” وأنواعه وطباعه وغيره من الحشرات، حتى وإن كانت صغيرة، ويدرسها دراسة علمية مفصلة” . منهج “النبات” وأوضح أبو حنيفة الدينوري المنهج الذي اتبعه في تأليف كتابه “النبات” بقوله: “ قد أتينا في ما قدمنا من أبواب كتابنا هذا على ما استحسنا تقديم ذكره قبل ذكر النبات نبتاً نبتاً، فلم يبق إلا ذكر أعيان النبات، ونحن آخذون في تسميتها ومحللون كل واحد منها بما انتهى إلينا من صفته أو شاهدناه، وإن كان في شيء من ذلك اختلاف مما يرى أنه ينبغي أن يذكر، ذكرناه إن شاء الله . وجعلنا تصنيف ما نذكر منها على أوائل حروف أسمائها وإن اختلط جل الشجر فيه بدقة، واختلط أيضاً الشجر بالأعشاب، وبقلها وجنبتها (الشجيرة)، وغير ذلك من أصنافها التي جنسناها في ما سلف وصنعناها، لأن وصفنا إياها نبتاً نبتاً، سيلحق كل واحد منها بجنسه، عند من فهم عنا ماقدمنا وما أخرنا، وإنما آثرنا هذا التصنيف على توالي حروف المعجم لأنه أقرب إلى وجدان المطلوب، وأهون مؤونة على الطالب من كل تصنيف سواه” . وقد قام العالم لوين من جامعة أبسالا بتحقيق ونشر الجزء الخامس من كتاب النبات لأبي حنيفة الدينوري من مخطوطة موجودة في مكتبة الجامعة باستانبول، وعني الدكتور محمد حميد الله من حيدر أباد بنشر مخطوطة تشمل أبواباً من كتاب النبات هذا، عثر عليها في إحدى مكتبات المدينة المنورة . ولابد أخيراً من التنبيه إلى خلط يقع فيه البعض أحياناً بين أبي حنيفة الدينوري وبين معاصره ابن قتيبة الدينوري (276 ه/ 890 م) صاحب كتاب “الخيل” .
تعليقات