فوز أوباما ومستقبل القضية الفلسطينية
2012-11-11 23:22:20
بعد الإعلان عن نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية، وحصول المرشح الديموقراطي الرئيس باراك أوباما على ولاية ثانية، وخلال الأيام التالية لذلك، ظل كل طرف خارجي عاكفاً على تقدير ما سوف يحققه من مكاسب وما يلحق به من خسائر في السنوات الأربع القادمة على ضوء هذه النتيجة. ونحن بالتأكيد، كعرب وكمسلمين وكجزء من الجنوب، لنا اهتمامات أصيلة ترتبط بدرجة أو أخرى بنتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية، ولا يتصل الأمر بمدى إعجابنا الشخصي بالرئيس أوباما من عدمه، ولا حتى بمحبتنا للسياسات الأميركية أو معاداتنا لها، بل بواقع مفاده أن الولايات المتحدة تبقى، من دون تهويل أو تهوين، القوة العظمى في عالم اليوم. ومن الأمور التي باتت تمثل مصدراً مزمناً للأرق لدى العرب والمسلمين، حالة الجمود التامة على ساحة القضية المركزية، وهي القضية الفلسطينية، فقد سادت حالة تفاؤل غير مسبوق منذ سنوات بحدوث اختراق نوعي خلال الشهور الأولى لتولي أوباما الحكم في عهده الأول، وهو تفاؤل كانت له حينذاك أسبابه المشروعة، حيث كان يطلق الكثير من الوعود المشجعة، سواء بشأن الأولوية التي يوليها للتوصل إلى حل نهائي للمشكلة الفلسطينية بشكل منصف، أو بشأن التزامه بإعادة إطلاق عملية السلام، أو بشأن، وهذا ربما كان الأهم، ضمان رعاية أميركية مباشرة ولعب دور الوسيط النزيه والعادل والفاعل. وأبعد من ذلك، ساد اعتقاد حينذاك لدى الكثير من الدوائر العربية والإسلامية بأن أوباما سيفي بالفعل بتعهداته الخاصة بتسوية القضية الفلسطينية خلال العام الأول لحكمه. وقد تبخر كل ذلك بمرور الوقت، فلم يتقدم الشعب الفلسطيني خطوة واحدة جدية نحو تحقيق أحلامه الوطنية والتاريخية. صحيح أننا لا نستطيع أن نلقي باللوم في ذلك فقط على الإدارة الأميركية، لأن للانقسامات الفلسطينية والعجز العربي وهيمنة اليمين على المشهد السياسي الإسرائيلي وضعف ثقل جماعات الضغط العربية والإسلامية في واشنطن مقابل قوة تأثير جماعات الضغط اليهودية، بخاصة اليمينية منها، أوزاناً لا تقل أهمية. لكن الصحيح أيضاً أن الرئيس الأميركي لم يف بما وعد به، حتى مع الإقرار بحسن نواياه خلال حملته الانتخابية أو في شهوره الأولى في الحكم، وهذا ربما كان بسبب التركيبة التي غلب عليها الطابع اليميني داخل الحزب الديموقراطي وإدارته ممن تعاملوا مع الملف الخارجي بشكل عام والقضية الفلسطينية على وجه الخصوص، وربما نظراً للطابع المحكم للانتخابات الأميركية الذي يجعل هناك انتخابات كبرى نيابية أو رئاسية أو كليهما كل عامين، بحيث يجد الرئيس نفسه تحت ضغوط تتصل بالسعي لفوز حزبه في هذه الانتخابات، وبالتالي يعجز عن اتخاذ قرارات مصيرية تحتاج للشجاعة والاستقلالية عن جماعات الضغط الداخلية. ونجد أنفسنا اليوم أمام من يراهن من النخب والمثقفين العرب على أن أوباما، بعد إعادة انتخابه لولاية ثانية، سيكون متحرراً من قيود الضغوط الداخلية، لأنه لا يستطيع الترشح لولاية ثالثة، وبالتالي سيتمكن من تحقيق ما وعد به قبل ولايته الأولى وفي مرحلتها الأولى. ولكن يتناسى هؤلاء حقيقة أن الرئيس في النظام السياسي الأميركي ليس متمتعاً بتلك الاستقلالية المطلقة التي يفترضونها، فهو ملتزم إزاء حزبه السياسي، الأمر الذي ينطوي على أمرين: الأول، التزامه بعدم الإقدام على ما من شأنه التأثير سلباً على فرص حزبه في الانتخابات التشريعية الجزئية التي تتم بعد انتخابات الرئاسة بعامين فقط، والأمر الثاني التزامه بدعم فرص مرشح حزبه في الانتخابات الرئاسية التالية وعدم الإضرار بفرص حزبه في الانتخابات التشريعية التي تصاحب تلك الانتخابات الرئاسية، فهو بالتالي سيعمل خلال فترة ولايته الثانية في ظل تركيبة سياسية معقدة، خصوصاً وقد احتفظ الحزب الجمهوري بالأغلبية في مجلس النواب مقابل احتفاظ الحزب الديموقراطي بالأغلبية في مجلس الشيوخ، وهو وضع من شأنه زيادة صعوبة فرص اتخاذ الرئيس لقرارات مستقلة تماماً، كممارسة ضغوط متواصلة على الحكومة الإسرائيلية. وعلى الجانب الآخر، يرى البعض أن دعم رئيس الحكومة الإسرائيلية للمرشح الجمهوري خلال الانتخابات الأخيرة يجعله معرضاً، بدرجة أو أخرى، لتلقي «عقاب ما» من الرئيس الأميركي. إلا أن هذا «العقاب» إذا تم، قد لا يكون بالضرورة بشأن الملف الفلسطيني، بل قد يكون مثلاً بشأن الملف الإيراني. ثم إن أوباما حصد 69 في المئة من أصوات اليهود الأميركيين في الانتخابات الأخيرة، مما يجعله حريصاً على عدم استعداء الصوت اليهودي الأميركي ضده أو ضد حزبه، الأمر يحد، بدرجة أو بأخرى، من أي ضغوط قد ينوي ممارستها على الحكومة الإسرائيلية. وأخيراً، فإن إعلان أوباما أن أول جولة خارجية له بعد إعادة انتخابه ستكون إلى آسيا وليس إلى الشرق الأوسط، كما كان متوقعاً، ألقى بظلال من الشك على مدى الأولوية التي ستمنحها إدارته لتحقيق اختراق نوعي على صعيد القضية الفلسطينية. وهكذا نرى أن آفاق التسوية، لا تبدو أكثر قرباً على مدى السنوات الأربع القادمة، إذا أخذنا في الاعتبار فقط الدور الأميركي، إلا أنه من الهام عدم التسليم بأن الدور الأميركي هو الدور الوحيد الفاعل، بل يجب عدم ترك الميدان للأطراف غير العربية لتكون هي وحدها صاحبة الكلمة الفصل في مستقبل الشأن الفلسطيني، كما يجب أن يمسك الطرف الفلسطيني والعربي بزمام المبادرة ليكون صاحب الفعل، وليس مكتفياً بموقع رد الفعل، وعدم الخضوع للقاعدة القائلة بأن «أوراق اللعبة» في يد طرف آخر، سواء كان الطرف الأميركي أو الإسرائيلي أو غيرهما.
تعليقات