الصفحة الرئيسية ›› العلوم ›› منوعات ›› اسلاميات

post-image

الإسلام يأمر بالعدل حتى مع الأعداء

2012-11-17 06:39:47

  • 30

قيمة لا تعرف الانتقاء في تطبيقها جاءت الشريعة الإسلامية بكل ما يحقق العدل بين الناس ويوفر لهم الحماية من جميع أشكال الإجرام والانحراف السلوكي التي عرفتها المجتمعات الإنسانية ولذلك عاش في حمايتها المسلم وغير المسلم، ووفرت الأمن والطمأنينة للجميع، وشهدت المجتمعات التي التزمت بأحكامها وآدابها وأخلاقياتها أماناً ما بعده أمان . ورغم عظمة أحكام هذه الشريعة السماوية الخاتمة واعتراف فقهاء القانون المنصفين في العالم بتميز المنظومة القانونية الإسلامية إلا أن خصوم الإسلام في الداخل والخارج حاولوا التشويش على أحكام شريعة الإسلام واتهامها بما ليس فيها وتجريدها من محاسنها وسماتها المميزة لها في محاولة يائسة لعزلها عن حياة المسلمين وحرمان غير المسلمين من عدالتها . في البداية يعرفنا د .عبدالله النجار أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية بقيمة العدل في ميزان الإسلام فيقول: العدل من أهم المبادئ التي نزل الإسلام لحمايتها، ولهذا طلبه الله بصريح الأمر في قوله تعالى: “إن الله يأمر بالعدل والإحسان”وفي تلك الصياغة القرآنية لمطلوب الإسلام من العدل ما يدل على أنه من أهم مبادئه ومقصد من أعظم مقاصده، وإذا كان العدل يعني اعتدال كفتي الميزان بين طرفين بحيث لا يظلم طرف منهما لحساب الآخر فإن الوصول إلى هذا الأمر ليس سهلاً في ظل صراع بشري تتنازعه الأهواء وتتحكم فيه المصالح، ويستميت كل طرف للوصول إلى ما ليس له حق فيه، بالوسيلة التي يراها وبالأسلوب الذي يحلو له، ولهذا قرن الله العدل بالإحسان ليكون في هذا الاقتران ما يساعد القائمين به على الانتصار له من حظوظ أنفسهم ودواعي غرائزهم، التي تحملهم على أن يحيدوا عنه ويبتعدوا عن مساره، ذلك أن الإحسان هو استحضار وجود الله تعالى عند الفعل كما جاء في الحديث الشريف: “الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك”ولاشك أن من يستحضر وجود الله في ما يفعله لابد أن تقوم بداخله رقابة ذاتية تعصمه من الانحراف، وتحول بينه وبين البعد عن مجال العدل . تفرد إسلامي إن اقتران العدل بالإحسان تأكيد لمعنى العدل وتدعيم لرسالته وانتصار له، وهو توجه إسلامي يتفرد به الإسلام عندما طلب إقامة العدل في أول نص من البناء التشريعي المتكامل له وقبل أن يدخل في تفصيلات أحكامه، ونبه العاملين في محرابه والقائمين عليه إلى أن تلك الرقابة الذاتية التي تقوم بداخلهم عند إقامة العدل بسبب اقترانه بالإحسان يجب أن تحول بينهم وبين الضعف البشري، الذي ينتهي لغير صالحه، لاسيما وأن العلاقات البشرية لا تخلو من وشائج الصلة النفسية أو العاطفية أو الاجتماعية أو الوطنية أو غيرها من العلاقات التي تدفع الشخص إلى أن يميل للآخر بسببها، وكثيراً ما ترى العصبية للقرابة أو للجنس أو للدين أو للنوع أو للأرض أو للعرق دافعاً للانتصار لها على حساب العدل الذي أمر الله به وأوجب الامتثال لأحكامه . وتأكيداً لمعنى الانتصار للعدل واحترامه فإن الله تعالى أمر به في جميع الأحوال وفي المواطن التي يظن الناس أن دور العدل فيها ثانوي مثل الأقوال التي يفضي بها بعضهم إلى بعض من دون تحسب لوجود العدل فيها وفي هذا يقول الله تعالى: “وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى«، فقد دل هذا القول الكريم على أن العدل في الأقوال مطلوب للشارع حتى ولو كانت تلك الأقوال متعلقة بذوي قرباه فإن تلك القرابة لا يجوز أن تكون مساغاً لترك العدل في القول للقريب كما جعل العدل مطلوباً في الكتابة التي توثق حقوق الناس، فقال سبحانه: “وليكتب بينكم كاتب بالعدل”فجعل العدل واجباً على من يكتب سند توثيق الحقوق بين المتعاملين كما جعل العدل مطلوباً في الشهادة على الحقوق فقال سبحانه: “وأشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا الشهادة لله«، فربط طلب الشهادة بالعدول من الشهود وأوجب إقامتها بتجرد وموضوعية تواكب العدل وتنتصر له، وذلك ما يفيده الأمر في قوله تعالى: “وأقيموا الشهادة لله«، وإذا كان الهوى يمثل حائلاً كبيراً بين الإنسان وقدرته على إقامة العدل فقد حذره الشارع منه ونهاه عن اتباع الهوى عند حكمه وذلك في قوله تعالى: “فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا«، ومن الهوى المانع من إقامة العدل الكره والحب، وإذا كان الكره من نصيب الأعداء فإن الحب قد يكون من نصيب الأقرباء وفي الحالين أمرنا الله بالعدل من دون عدول عنه بسبب الأهواء الناشئة عن القرابة أو العداوة فقال سبحانه: “ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا«، وقال سبحانه: “يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيراً”. تنظيم التقاضي ويؤكد د .النجار أن الإسلام بهذا المنهج التشريعي المحكم شرع ما يقيم العدل ثم كفل له من الأحكام الفرعية ما يضمن له التطبيق والاحترام في كل ظرف وحال وفي كل زمان ومكان ومع جميع الأشخاص والأجناس وحرم الإخلال به حتى مع الأعداء فتبارك الله أحكم المشرعين . ومن الأحكام التي شرعها الإسلام لسلامة العدل ما يتعلق بأسلوب اختيار القاضي الذي يتعين عليه أن يحكم في النزاع وتنظيم عمله، وأعوان القضاة الذين يساعدونهم، ومنها ما يتعلق بنظام الفصل ذاته من جهة تنظيم جلسات التقاضي، وكيفية الاستماع إلى دعاوى الأفراد وحججهم، وما يقدمونه من الأوراق والشهود، وإصدار الأحكام ومدى حجيتها، ومتى تصبح نهائية لا يجوز الطعن عليها، وكيفية تنفيذها، وحقوق المتهمين، وما إلى ذلك من الأحكام التي تضمن عدالة نظيفة خالية من التكلف والافتعال، وبعيدة عن التعقيد والارتجال . وفيما يتعلق بأسلوب اختيار القاضي، اشترط الفقهاء أن تتوافر في من يتصدى لتلك المهمة الجليلة، جملة من الشروط التي تمثل تمهيداً جيداً لصدور أحكام عادلة، منها: أن يكون بالغاً عاقلاً سليم الحواس في سمعه وبصره ولسانه، وأن يكون عادلاً ذا مروءة، فقيها ذا قدرة على الاجتهاد والنظر . من صفات الكمال د .عبدالفتاح الشيخ أستاذ الشريعة الإسلامية والرئيس الأسبق لجامعة الأزهر يؤكد أن العدل من القيم والأخلاق الإسلامية الرفيعة التي لا ينبغي أن تفارق المسلم في كل معاملاته مع الآخرين وفي كل شؤون حياته العامة والخاصة، كما أنه من الأصول التي تقوم عليها شريعتنا الإسلامية . . ويقول: العدل يحمل فيما يحمل من معاني الحق والصدق والإنصاف والنظام والاستقامة وغيرها من المعاني ما يجعله من صفات الكمال التي يتصف بها رب العزة ويأمر عباده بأن ينظموا سلوكهم على أساسه، ويطبقوه في كل مجال من مجالات الحياة . ورغم تعدد وتنوع النصوص القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة التي تأمر بالعدل وتحث عليه وتحبب الناس فيه وتدفعهم إلى الالتزام به إلا أن مظاهر الظلم وعدم الإنصاف قد شاعت بين المسلمين الآن نتيجة تغييب الشريعة الإسلامية عن حياة المسلمين حيث أهدرت حقوق الكثيرين في الحصول على الوظيفة المناسبة لهم نتيجة الوساطة والمحسوبية، وضاعت حقوق الكثيرين في الترقي نتيجة شيوع رذيلة النفاق، ولحق الظلم بالكثيرين نتيجة شيوع الغش في كل مجالات الحياة . ويضيف: لا بد أن نعترف بأن قيمة العدل غابت إلى حد كبير عن حياتنا، وعندما يغيب العدل يحل الظلم، والمجتمعات التي يسود فيها الظلم لا يمكن أن تستقر ولا أن تنعم بالأمان، لأن ثورات المظلومين لن تتوقف ورغبتهم في الانتقام لن تحدها حدود . ويوضح د . الشيخ أن العدل قيمة لا تتجزأ ولا تعرف الانتقاء في تطبيقها، فالكبير والصغير والغني والفقير والقوي والضعيف، والحاكم والمحكوم أمام موازين العدل سواء . . ومن هنا يؤكد الإسلام على تطبيق مبدأ العدل على جميع الناس من دون استثناء وكما يقول القرآن الكريم: “ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين”والنبي صلى الله عليه وسلم يضرب لنا المثل حين يقول: “والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها”. . وعندما تولى أبوبكر الصديق رضي الله عنه الخلافة قال في أول خطبة له: “الضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ الحق له، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله”. إن الإسلام كما يوضح الدكتور الشيخ يرفض التحيز واتباع الهوى، ويؤكد على ضرورة أن يسود العدل في كل شيء، في حياة الناس العامة والخاصة وفي المجتمع بأسره ومن العدل تحقيق المساواة بين الناس وعدم التمييز بينهم لأي سبب من الأسباب، ومن العدل صيانة حقوق الإنسان في شتى صورها وتطبيقاتها.

المراجع

جريدة الخليج
http://www.alkhaleej.ae/

تعليقات